فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الطبري:

يعني تعالى ذكره بذلك: {وقاتلوا}، أيها المؤمنون {في سبيل الله}، يعني: في دينه الذي هداكم له، لا في طاعة الشيطان أعداء دينكم، الصادين عن سبيل ربكم، ولا تحتموا عن قتالهم عند لقائهم، ولا تجبنوا عن حربهم، فإن بيدي حياتكم وموتكم. ولا يمنعن أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت وخوف المنية على نفسه بقتالهم، فيدعوه ذلك إلى التعريد عنهم والفرار منهم، فتذلوا، ويأتيكم الموت الذي خفتموه في مأمنكم الذي وألتم إليه، كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت، الذين قصصت عليكم قصتهم، فلم ينجهم فرارهم منه من نزوله بهم حين جاءهم أمري، وحل بهم قضائي، ولا ضر المتخلفين وراءهم ما كانوا لم يحذروه، إذ دافعت عنهم مناياهم، وصرفتها عن حوبائهم، فقاتلوا في سبيل الله من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني، فإن من حيي منكم فأنا أحييه، ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله.
ثم قال تعالى ذكره لهم: واعلموا، أيها المؤمنون، أن ربكم {سميع} لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي: لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا {عليم} بما تجنه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم، وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم، ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي.
يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين: فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي، وغير ذلك من أمري ونهيي، إذ كفر هؤلاء نعمي. واعلموا أن الله سميع لقولهم، وعليم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، محيط بذلك كله، حتى أجازي كلا بعمله، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا. اهـ.

.قال القرطبي:

هذا خطاب لأُمة محمد صلى الله عليه وسلم بالقتال في سبيل الله في قول الجمهور. وهو الذي يُنْوَى به أن تكون كلمة الله هي العليا. وسُبُل الله كثيرة فهي عامة في كل سبيل؛ قال الله تعالى: {قُلْ هذه سبيلي} [يوسف: 108]. قال مالك: سُبُل الله كثيرة، وما من سبيل إلا يقاتل عليها أو فيها أولها، وأعظمها دين الإسلام، لا خلاف في هذا. وقيل: الخطاب للذين أُحْيُوا من بني إسرائيل؛ روي عن ابن عباس والضحاك. والواو على هذا في قوله: {وَقَاتِلُواْ} عاطفة على الأمر المتقدّم، وفي الكلام متروك تقديره: وقال لهم قاتلوا. وعلى القول الأوّل عاطفة جملة كلام على جملة ما تقدّم، ولا حاجة إلى إضمار في الكلام.
قال النحاس: {وقَاتِلُوا} أمر من الله تعالى للمؤمنين ألاّ تهربوا كما هرب هؤلاء. اهـ.

.قال الطبري:

ولا وجه لقول من زعم أن قوله: {وقاتلوا في سبيل الله}، أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال، بعد ما أحياهم. لأن قوله: {وقاتلوا في سبيل الله}، لا يخلو- إن كان الأمر على ما تأولوه- من أحد أمور ثلاثة:
إما أن يكون عطفا على قوله: {فقال لهم الله موتوا}، وذلك من المحال أن يميتهم، ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله.
أو يكون عطفا على قوله: {ثم أحياهم}، وذلك أيضا مما لا معنى له.
لأن قوله: {وقاتلوا في سبيل الله}، أمر من الله بالقتال، وقوله: {ثم أحياهم}، خبر عن فعل قد مضى. وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض، لو كانا جميعا خبرين، لاختلاف معنييهما. فكيف عطف الأمر على خبر ماض؟
أو يكون معناه: ثم أحياهم وقال لهم: قاتلوا في سبيل الله، ثم أسقط القول، كما قال تعالى ذكره: {إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [سورة السجدة: 12]، بمعنى يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا. وذلك أيضا إنما يجوز في الموضع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه، ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر. فأما في الأماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه، فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها. اهـ.

.قال أبو حيان:

والذي يظهر القول الأول، وأن هذه الآية ملتحمة بقوله: {حافظوا على الصلوات} وبقوله: {فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا} لأن في هذا إشعارًا بلقاء العدو، ثم ما جاء بين هاتين الآيتين جاء كالاعتراض، فقوله: {وللمطلقات متاع بالمعروف} تتميم أو توكيد لبعض أحكام المطلقات، وقوله: {ألم تر إلى الذين} اعتبار بمن مضى ممن فرّ من الموت، فمات، أن لا ننكص ولا نحجم عن القتال، وبيان المقاتل فيه، وأنه سبيل الله فيه حث عظيم على القتال، إذ كان الإنسان يقاتل للحمية، ولنيل عرض من الدنيا، والقتال في سبيل الله مورث للعز الأبدي والفوز السرمدي. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة: {وقاتلوا في سبيل الله} الآية هي المقصود الأول، فإن ما قبلها تمهيد لها كما علمتَ، وقد جعلت في النظم معطوفة على جملة: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم} عطفًا على الاستئناف، فيكون لها حكم جملة مستأنفة استئنافًا ابتدائيًا، ولولا طول الفصل بينها وبين جملة: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم} [البقرة: 216]، لقُلنا: إنها معطوفة عليها على أن اتصال الغرضين يُلحقها بها بدون عطف.
وجملة: {واعلموا أن الله سميع عليم} حث على القتال وتحذير من تركه بتذكيرهم بإحاطة علم الله تعالى بجميع المعلومات: ظاهرها وباطنها.
وقدِّم وصف سميع، وهو أخص من عليم، اهتمامًا به هنا؛ لأن معظم أحوال القتال في سبيل الله من الأمور المسموعة، مثل جلبة الجيش وقعقعة السلاح وصهيل الخيل.
ثم ذكر وصف عليم لأنه يعم العلم بجميع المعلومات، وفيها ما هو من حديث النفس مثل خلُق الخوف، وتسويل النفس القعودَ عن القتال، وفي هذا تعريض بالوعد والوعيد.
وافتتاح الجملة بقوله: {واعلموا} للتنبيه على ما تحتوي عليه من معنى صريح وتعريض، وقد تقدم قريبًا عند قوله تعالى: {واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه} [البقرة: 223]. اهـ.

.قال الألوسي:

{وقاتلوا فِي سَبِيلِ الله} وهو عطف في المعنى على {أَلَمْ تَرَ} [البقرة: 3 24] لأنه بمعنى انظروا وتفكروا، والسورة الكريمة لكونها سنام القرآن ذكر فيها كليات الأحكام الدينية من الصيام والحج والصلاة والجهاد على نمط عجيب مستطردًا تارة للاهتمام بشأنها يكر عليها كلما وجد مجال، ومقصودًا أخرى دلالة على أن المؤمن المخلص لا ينبغي أن يشغله حال عن حال، وإن المصالح الدنيوية ذرائع إلى الفراغة للمشاغل الأخروية، والجهاد لما كان ذروة سنام الدين، وكان من أشق التكاليف حرضهم عليه من طرق شتى مبتدأ من قوله سبحانه: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ في سَبيلِ الله} [البقرة: 4 15] منتهيًا إلى هذا المقام الكريم مختتمًا بذكر الانفاق في سبيله للتتميم قاله في الكشف وجوز في العطف وجوه أخر، الأوّل: أنه عطف على مقدر يعينه ما قبله كأنه قيل فاشكروا فضله بالاعتبار بما قص عليكم وقاتلوا في سبيله لما علمتم أن الفرار لا ينجي من الحمام وأن المقدر لا يمحى فإن كان قد حان الأجل فموت في سبيل الله تعالى خير سبيل وإلا فنصر وثواب، الثاني: أنه عطف على ما يفهم من القصة أي اثبتوا ولا تهربوا كما هرب هؤلاء وقاتلوا، والثالث: أنه عطف على {حافظوا عَلَى الصلوات} إلى {فَإِنْ خِفْتُمْ} [البقرة: 283، 9 23] الآية لأن فيه إشعارًا بلقاء العدوّ وما جاء جاء كالاعتراض، الرابع: أنه عطف على {فَقَالَ لَهُمُ الله} [البقرة: 3 24] والخطاب لمن أحياهم الله تعالى وهو كما ترى {واعلموا أَنَّ الله سَمِيعٌ} لما يقوله المتخلف عن الجهاد من تنفير الغير عنه وما يقوله السابق إليه من ترغيب فيه {عَلِيمٌ} بما يضمره هذا وذلك من الأغراض والبواعث فيجازي كلًا حسب عمله ونيته. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله}.
المقاتلة تكون للجهاد بالذات لتكون كلمة الله هي العليا أو باللزوم كمن يقاتل ليذبّ عن حريمه، فإنّه يستلزم الجهاد. معناها ليكن اعتقادهم ونيتكم بالقتال {سبيل الله}.
قوله تعالى: {واعلموا أَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
قال ابن عرفة: وجه مناسبة الصفتين أن من قعد ولم يخرج للقتال لابد أن يتكلم في المؤمنين ويتحدث في أمره فالله سميع له عليم. قتال من قاتل، ففيه وعد ووعيد. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)}.
إنه الأمر الواضح بالقتال في سبيل الله دون مخافة للموت. لماذا؟ لأن واهب الحياة وكاتب الأجل سميع عليم، سميع بأقوال من يقاتل وعليم بنواياه. وكان الجهاد قديما عبثا ثقيلا على المجاهد؛ لأنه كان يتحمل نفقة نفسه ويتحمل المركبة- حصانا أو جملا- ويتحمل سلاحه، كان كل مجاهد يعد عدته للحرب، فإن ولابد إذا سمح لنفسه أن تموت فمن باب أولى أن يسمح بماله، وأن يجهز عدته للحرب، وعلى ذلك كان القتال بالنفس والمال أمرًا ضروريا.
وقوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله} أي قاتلوا بأنفسكم ثم عرج إلى الأموال فقال: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)}.
أخرج وكيع والفريابي وابن جرير وابن المنذر والحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارًا من الطاعون، وقالوا: نأتي أرضًا ليس بها موت، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا، قال لهم الله: موتوا. فمر عليهم نبي من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال: كانوا أربعة آلاف من أهل قرية يقال لها داوردان، خرجوا فارين من الطاعون.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي عن أبي مالك في الآية قال: كانت قرية يقال لها داوردان قريب من واسط، فوقع فيهم الطاعون، فأقامت طائفة وهربت طائفة، فوقع الموت فيمن أقام وسلم الذين أجلوا، فلما ارتفع الطاعون رجعوا إليهم، فقال الذين بقوا: اخواننا كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا سلمنا، ولئن بقينا إلى أن يقع الطاعون لنصنعن كما صنعوا.
فوقع الطاعون من قابل فخرجوا جميعًا، الذين كانوا أجلوا والذين كانوا أقاموا وهم بضعة وثلاثون ألفًا، فساروا حتى أتوا واديًا فسيحا فنزلوا فيه وهو بين جبلين، فبعث الله إليهم ملكين، ملكًا بأعلى الوادي وملكًا بأسفله، فناداهم: أن موتوا فماتوا. فمكثوا ما شاء الله، ثم مر بهم نبي يقال له حزقيل، فرأى تلك العظام فوقف متعجبًا لكثرة ما يرى منهم، فأوحى الله إليه أن ناد أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي، فاجتمعت العظام من أعلى الوادي وأدناه حتى التزق بعضها ببعض كل عظم من جسد التزق بجسده، فصارت أجسادًا من عظام لا لحم ولا دم، ثم أوحى الله إليه أن ناد أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحمًا فاكتست لحمًا، ثم أوحى الله إليه أن ناد أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي فبعثوا أحياء.
فرجعوا إلى بلادهم فأقاموا لا يلبسون ثوبًا إلا كان عليهم كفنًا دسمًا، يعرفهم أهل ذلك الزمان أنهم قد ماتوا، ثم أقاموا حتى أتت عليهم آجالهم بعد ذلك قال أسباط: وقال منصور عن مجاهد: كان كلامهم حين بعثوا أن قالوا سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت!
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز في قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم} قال: هم من أذرعات.
وأخرج عن أبي صالح في الآية قال: كانوا تسعة آلاف.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} قال: مقتهم الله على فرارهم من الموت، فأماتهم الله عقوبة ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها، ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم.
وأخرج ابن جرير عن أشعث بن أسلم البصري قال: بينا عمر يصلي ويهوديان خلفه قال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ فلما انتعل عمر قال: أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو؟ قالا: إنا نجده في كتابنا قرنًا من حديد يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله. فقال عمر: ما نجد في كتاب الله حزقيل ولا أحيا الموتى بإذن الله إلا عيسى. قال: أما تجد في كتاب الله: {ورسلا لم نقصصهم عليك} [النساء: 164]؟ فقال عمر: بلى. قال: وأما احياء الموتى فسنحدثك أن بني إسرائيل وقع عليهم الوباء، فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله، فبنوا عليهم حائطًا حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل، فقام عليهم فقال ما شاء الله، فبعثهم الله له، فأنزل الله في ذلك {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن هلال بن يساف في الآية قال: هؤلاء قوم من بني إسرائيل، كانوا إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنياؤهم وأشرافهم، وأقام فقراؤهم وسفلتهم فاستحر القتل على المقيمين ولم يصب الآخرين شيء، فلما كان عام من تلك الأعوام قالوا: لو صنعنا كما صنعوا نجونا، فظعنوا جميعًا فأرسل عليهم الموت فصاروا عظامًا تبرق، فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكان واحد، فمر بهم نبي فقال: يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك. فقال: قل كذا وكذا، فتكلم به، فنظر إلى العظام تركب، ثم تكلم فإذا العظام تكسى لحمًا، ثم تكلم فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون، ثم قيل لهم {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في الآية قال: هم قوم فروا من الطاعون، فأماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ومقتًا، ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم.
وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه. أن كالب بن يوقنا لما قبضه الله بعد يوشع خلف في بني إسرائيل حزقيل من بوزى وهو ابن العجوز، وإنما سمي ابن العجوز لأنها سألت الله الولد وقد كبرت فوهبه لها، وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في كتابه في قوله: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن وهب قال: أصاب ناسًا من بني إسرائيل بلاء وشدة من زمان، فشكوا ما أصابهم وقالوا: يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه، فأوحى الله إلى حزقيل أن قومك صاحوا من البلاء، وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا واستراحوا، وأي راحة لهم في الموت، أيظنون أني لا أقدر على أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا، فإن فيها أربعة آلاف قال وهب: وهم الذين قال الله: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} فقم فناد فيهم، وكانت عظامهم قد تفرقت كما فرقتها الطير والسباع، فنادى حزقيل: أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي، فاجتمع عظام كل إنسان منهم معًا، ثم قال: أيتها العظم إن الله يأمرك أن ينبت العصب والعقب، فتلازمت واشتدت بالعصب والعقب، ثم نادى جزقيل فقال: أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم.
فاكتست اللحم وبعد اللحم جلدًا فكانت أجسادًا، ثم نادى حزقيل الثالثة فقال: أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك. فقاموا بإذن الله فكبروا تكبيرة رجل واحد.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} يقول: عدد كثير خرجوا فرارًا من الجهاد في سبيل الله، فأماتهم الله حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه، ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم، فذلك قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم} وهم الذين قالوا لنبيهم {ابعث ملكًا نقاتل في سبيل الله} [البقرة: 246].
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريرج عن ابن عباس في الآية قال: كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف حظر عليهم حظائر، وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا، فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح، خرجوا فرارًا من الجهاد في سبيل الله، فأماتهم ثم أحياهم فأمرهم بالجهاد، فذلك قوله: {وقاتلوا في سبيل الله}.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: خرجوا فرارًا من الطاعون وهم ألوف ليست الفرقة أخرجتهم كما يخرج للحرب والقتال قلوبهم مؤتلفة، فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة قال الله لهم: موتوا، ومر رجل بها وهي عظام تلوح، فوقف ينظر فقال: {أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام} [البقرة: 259].
وأخرج البخاري والنسائي عن عائشة قالت: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني أنه كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء وجعله رحمة للمؤمنين، فليس من رجل يقع الطاعون ويمكث في بلده صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن عوف «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الطاعون: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه».
وأخرج سيف في الفتوح عن شرحبيل بن حسنة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فإن الموت في أعناقكم، وإذا كان بأرض فلا تدخلوها فإنه يحرق القلوب».
وأخرج عبد بن حميد عن أم أيمن «أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بعض أهله فقال: وإن أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت».
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الطواعين وأبو يعلى والطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون. قلت: يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: غدة كغدة البعير، المقيم بها كالشهيد والفار منه كالفار من الزحف». وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار وابن خزيمة والطبراني عن جابر بن عبد الله: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أهل الإِسلام اقرضوا الله من أموالكم يضاعفه لكم أضعافًا كثيرة. فقال له ابن الدحداحة: يا رسول الله لي مالان مال بالعالية ومال في بني ظفر، فابعث خارصك فليقبض خيرهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفروة بن عمر: انطلق فانظر خيرهما فدعه واقبض الآخر، فانطلق فأخبره فقال: ما كنت لاقرض ربي شر ما أملك ولكن أقرض ربي خير ما أملك، إني لا أخاف فقر الدنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رب عذق مدلل لابن الدحداح في الجنة».
وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال «استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل تمرًا فلم يقرضه قال: لو كان هذا نبيًا لم يستقرض، فأرسل إلى أبي الدحداح فاستقرضه فقال: والله لأنت أحق بي وبمالي وولدي من نفسي، وإنما هو مالك فخذ منه ما شئت واترك لنا ما شئت، فلما توفي أبو الدحداح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رب عذق مدلل لأبي الدحداح في الجنة».
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} الآية. في ثابت بن الدحداحة حين تصدق بماله.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب في قوله: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} قال: النفقة في سبيل الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع هذه الآية قال: أنا أقرض الله، فعمد إلى خير مال له فتصدق به.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {فيضاعفه له أضعافًا كثيرة} قال: هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو.
وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي قال: بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال: إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة، فحججت ذلك العام ولم أكن أريد أن أحج إلا لألقاه في هذا الحديث، فلقيت أبا هريرة فقلت له؟ فقال: ليس هذا قلت: ولم يحفظ الذي حدثك، إنما قلت أن الله ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة، ثم قال أبو هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف». اهـ.